حصان وراء اكتشاف أول صورة متحرّكة

في أواخر القرن التاسع عشر، كان العالم يعيش على إيقاع الثورة الصناعية والابتكارات المتلاحقة في الفيزياء والبصريات، ومع هذا الزخم، بدأ حلم الإنسان يتجسد: تسجيل الحركة بالصورة، أي الإمساك بالزمن البصري نفسه. وقد تحقق هذا الحلم لأول مرة من خلال تجربة رائدة قام بها المصوّر والباحث الإنجليزي إدوارد مويبريدج (Eadweard Muybridge). ولد مويبريدج في إنجلترا عام 1830، وهاجر لاحقًا إلى الولايات المتحدة حيث اشتُهر بتصوير المناظر الطبيعية، لكن شهرته الحقيقية جاءت نتيجة لتحدٍّ علمي–رياضي. في عام 1872، طرح رجل الأعمال وحاكم ولاية كاليفورنيا ليeland Stanford (مؤسس جامعة ستانفورد لاحقًا) سؤالًا بسيطًا لكنه محيّر: "هل هناك لحظة أثناء جري الحصان يكون فيها جميع أقدامه مرفوعة عن الأرض تمامًا؟" لم يكن هذا سؤالًا نظريًا، بل مشكلة ميكانيكية تتعلّق بفهم حركة الأرجل في الكائنات رباعية الأرجل. وقد كلّف ستانفورد المصوّر مويبريدج بإيجاد إجابة مرئية. بعد عدة تجارب دامت سنوات، نجح مويبريدج في عام 1878 في تنفيذ تجربة ثورية في مزرعة بمدينة بالو ألتو، حيث صفّ 24 كاميرا فوتوغرافية على امتداد مسار مخصص لعدو الحصان. تم ربط كل كاميرا بخيط رفيع يمتد عبر الطريق، وكلما مر الحصان فوق أحد الخيوط، أُطلقت الكاميرا والتقطت صورة. والنتيجة كانت سلسلة من الصور المتتابعة تُظهر مراحل حركة الحصان لحظة بلحظة. وعندما عُرضت هذه الصور بطريقة متتالية – عبر جهاز يُعرف باسم "الزوبيتروب" (Zoopraxiscope) – ظهرت وكأنها صورة متحركة حقيقية، لتُصبح بذلك أول مرة في التاريخ ينجح فيها الإنسان في تجميد الزمن المتحرك وتحويله إلى تسلسل مرئي. الصورة الشهيرة التي ظهرت من هذه التجربة عُرفت باسم "The Horse in Motion" أو "الحصان في حركة"، وتُظهر حصانًا يعدو بسرعة عالية، وخلال إحدى اللقطات تظهر أقدامه الأربعة مرفوعة عن الأرض في نفس اللحظة، مما أجاب عن سؤال ستانفورد وأذهل الأوساط العلمية والفنية آنذاك. نجاح هذه التجربة لم يكن مجرد فضول بصري، بل أسس لعلم جديد اسمه تحليل الحركة (Chronophotography)، وفتح المجال لتطوّر كاميرات السينما، وأجهزة العرض، وصناعة الأفلام لاحقًا. بل إن توماس إديسون نفسه، عندما بدأ تطوير جهاز الكينتوسكوب في تسعينيات القرن التاسع عشر، استند على أعمال مويبريدج كأساس لفكرة التقاط الحركة على شريط فيلم.