اشتباك ناري جديد على الحدود المشتعلة بين تايلاند وكمبوديا أعاد فتح جراح النزاع الطويل بين الجارتين في جنوب شرق آسيا، بعد أن فقد جندي تايلاندي ساقه نتيجة انفجار لغم أرضي، وتبادلت القوات إطلاق النار في منطقة متنازع عليها قرب معبد «تا موين توم» الأثري.
هذا التطور العسكري المفاجئ يعكس تصاعدًا خطيرًا في التوتر الحدودي، الذي تحوّل في الأيام الأخيرة إلى أزمة دبلوماسية حادة، وتهديد حقيقي بانهيار العلاقات بين البلدين.
القوات التايلاندية اتهمت نظيرتها الكمبودية باستخدام طائرة دون طيار لرصد موقع عسكري داخل إقليم سورين قبل أن تتقدم مجموعة من الجنود الكمبوديين نحو الحدود وهم يحملون أسلحة رشاشة وقاذفات «آر بي جي».
واعتبرت بانكوك ذلك «تصعيدًا غير مبرر» في منطقة لا تزال موضع خلاف تاريخي، وشهدت مرارًا اشتباكات مشابهة خلال السنوات الماضية.
في المقابل، وصفت وزارة الدفاع الكمبودية ما جرى بأنه «رد دفاعي مشروع» على ما اعتبرته «اختراقًا للحدود من قبل قوات تايلاندية»، مؤكدة أن جنودها تصرفوا «وفق القانون الدولي» وفي إطار «الخصوصية السيادية» لحدودها المعترف بها.
الاشتباك أسفر عن إصابة جنديين تايلانديين على الأقل، فيما أفادت وزارة الصحة التايلاندية ببدء إخلاء مستشفيين في المنطقة الحدودية تحسبًا لأي تصعيد إضافي.
التوتر تصاعد بعد أسبوع دامٍ شهد إصابة خمسة جنود تايلانديين بلغم، بينهم اثنان فقدا أطرافهم، وهو ما اعتبرته الحكومة التايلاندية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقامت على إثره بطرد السفير الكمبودي واستدعاء سفيرها من بنوم بنه.
رد كمبوديا جاء سريعًا، حيث أعلنت تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى درجة، وأمرت طاقم سفارتها بالعودة الفورية إلى البلاد، وسط تصعيد سياسي وإعلامي غير مسبوق بين الطرفين.
إجراءات الإغلاق طالت أجزاء من الحدود التايلاندية، ما أثر على حركة المدنيين والسياح، وأثار موجة من الاستياء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشر وسم #الحدود_تحترق باللغة المحلية في كل من تايلاند وكمبوديا، وسط تحذيرات من احتمال تفاقم الأزمة.
التصعيد الأخير ليس معزولًا، فقد سبقته أحداث مشابهة في مايو الماضي حين قُتل جندي كمبودي في اشتباك مسلح مع القوات التايلاندية في مثلث الزمرد الحدودي.
ذلك الحادث شكّل شرارة لخلافات متجددة، غذّاها الغموض حول ملكية المناطق الأثرية والحدودية، إضافة إلى الخلافات السياسية الداخلية التي انعكست بشكل مباشر على السياسة الخارجية.
وقد طغى هذا الملف على المشهد السياسي في تايلاند تحديدًا، حيث تم تعليق مهام رئيسة الوزراء السابقة «بايتونغتارن شيناواترا» بعد تسريب مكالمة هاتفية مع قيادي كمبودي سابق، انتقدت فيها الأداء العسكري التايلاندي في النزاع، ما أثار ضجة واسعة على الإنترنت وفتح الباب أمام اتهامات بـ«الخيانة» و«التواطؤ».
التسريب، الذي وصفه بعض النشطاء على الإنترنت بـ«دوكسنج سياسي»، أعاد تسليط الضوء على أزمة الخصوصية داخل مؤسسات الحكم، إذ أثيرت تساؤلات حول كيفية تسجيل وتسريب المحادثة، وتداولها لاحقًا على مواقع إلكترونية تحمل طابعًا شعبويًا.
وبينما كان البعض يناقشون تأثير «KissCam» المثيرة للجدل خلال حفلة Coldplay الأخيرة في بانكوك، سرق النزاع الحدودي الأضواء بالكامل، واحتل المراتب الأولى في محركات البحث في كلا البلدين، في ما يبدو أنه تصاعد متزامن بين توتر جيوسياسي وآخر رقمي.
في ظل هذا المشهد المتأزم، لا تزال احتمالات احتواء الأزمة ضئيلة في غياب أي مؤشرات على التهدئة أو الوساطة الإقليمية، وسط دعوات من منظمات دولية لتفادي انزلاق الطرفين نحو مواجهة مفتوحة، خصوصًا مع تصاعد الخطاب القومي والمطالب الشعبية بالرد على «الانتهاكات»، كما توصف في وسائل الإعلام المحلية.
وبين التصعيد الميداني والانفلات الإعلامي على المنصات الاجتماعية، يبدو أن الخصوصية السياسية بين تايلاند وكمبوديا قد انهارت، في وقت تشهد فيه المنطقة واحدة من أخطر مراحلها منذ عقود.