United States 23.88°C تسجيل الدخول Sunday, July 27, 2025


انهيارات طينية تدمّر بلدة في دقائق

ABCNews-247
في الساعات الأولى من صباح التاسع من يناير عام 2018، كانت بلدة مونتيسيتو الهادئة في ولاية كاليفورنيا على موعد مع كارثة طبيعية قلبت موازين الحياة فيها. فبعد أمطار غزيرة تبعت حريقًا ضخماً التهم الغابات المحيطة، انهارت التربة الضعيفة وتحولت إلى سيل طيني جارف اجتاح المنازل والشوارع، ليخلّف دمارًا هائلًا. الانهيار أسفر عن مقتل 23 شخصًا، إصابة 167، وتدمير 408 منازل في بلدة لا يتجاوز عدد سكانها تسعة آلاف نسمة. من بين الناجين كان كيرتس سكين، الذي استيقظ على صوت عاصفة ومشهد مروّع: سيارة تقتحم نافذته وسط جدار من الطين. تمكن من الهرب إلى أرض مرتفعة، ونجا بأعجوبة من موت محقق. لكن نجاته لم تكن نهاية القصة، بل بدايتها. فبدلاً من أن يطوي صفحة الكارثة، قرر أن يقود جهودًا حقيقية لإعادة إعمار مونتيسيتو، بطريقة تضمن ألا تتكرر المأساة. من هذه الجهود وُلد مشروع "حوض راندال"، وهو منشأة ضخمة لاحتجاز الطين في شارع راندال، أحد أكثر الشوارع تضررًا. سكين، الذي لم يكن مهتمًا بالشأن المحلي سابقًا، تحوّل إلى شخصية محورية في تنسيق المشروع، حيث جمع 1.5 مليون دولار من السكان المحليين لتمويل الدراسات الأولية، وأقنع المسؤولين على كافة المستويات بدعم الخطة. بلغ إجمالي تكلفة المشروع 22.8 مليون دولار، وساهمت فيه الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA) بمبلغ 11.7 مليون دولار. بدأ البناء في 2021، واكتمل في أكتوبر 2022. وفي موازاة ذلك، أطلق بات ماكلروي، رئيس الإطفاء السابق في سانتا باربرا، مشروعًا منفصلًا وسريعًا لحماية مونتيسيتو من الكوارث المستقبلية. بدعم من تبرعات مجتمعية تجاوزت ستة ملايين دولار، أنشأ منظمة غير ربحية ونفّذ مشروع "شبكات الحجز"، حيث تم تركيب ست شبكات معدنية ضخمة في الأودية والممرات الجبلية لالتقاط الصخور والطين قبل أن تصل إلى المناطق السكنية. ورغم أن المشروع كان مستقلاً عن الحكومة، إلا أن السلطات المحلية منحته التصاريح، وجرى تنفيذه في وقت قياسي عام 2019، ما عزّز الشعور العام بأن المجتمع قادر على حماية نفسه. ولم تمر السنوات التالية دون اختبارات حقيقية. ففي الذكرى الخامسة للكارثة، هطلت أمطار غزيرة بلغت 5.5 إنشات، وتدفقت كميات هائلة من الطين نحو نفس الممرات. لكن هذه المرة، كان الوضع مختلفًا. حوض راندال امتلأ بنسبة 50%، وجميع الشبكات الحديدية التقطت الحطام بكفاءة، لتمنع أي انهيار من الوصول إلى البلدة. بالنسبة لماكلروي وسكان البلدة، كان ذلك "دليلًا قاطعًا على نجاح المشروع"، بل واعتبروه "انهيارًا وشيكًا تم إيقافه في مهده". وفي عام 2023، تم تفكيك الشبكات بعد انتهاء التصاريح الخمسية، وسط جدل حول جدوى إزالتها. لكن المسؤولين أشاروا إلى أن الأحواض الجديدة، ومنها حوض راندال، باتت قادرة على أداء الدور المطلوب بفاعلية أكبر، خصوصًا مع سهولة الوصول إليها لتفريغها ونقل الرواسب. الدرس الأهم الذي خرجت به مونتيسيتو من هذه التجربة المؤلمة هو أن قوة المجتمعات لا تكمن في النجاة من الكارثة، بل في القدرة على التعلم منها والتكاتف لمنع تكرارها. وهو ما عبّر عنه كيرتس سكين بقوله: "لا يمكنني التأكيد بما فيه الكفاية على أهمية المشاركة المجتمعية". زيارة حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، بعد العاصفة الأخيرة، كانت بمثابة شهادة تقدير لهذا النموذج الفريد. "أشكر هذا المجتمع على الروح التي أظهرها"، قال نيوسوم، مضيفًا: "لا شيء يضاهي روح الجماعة والتخطيط المشترك". هكذا نهضت مونتيسيتو من تحت الطين، ليس فقط بالأموال والمشاريع، بل بإرادة سكانها الذين رفضوا أن تكون الكارثة نهاية قصتهم.