شهدت شبكة الإنترنت خلال الأيام الماضية حالة لافتة من الاستخدام الجماعي لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحديد الهوية عبر الفيديو، بعد أن انتشر مقطع مصوَّر التُقط خلال حفل غنائي لفرقة «Coldplay»، يُظهر شخصين تم التعرف عليهما خلال ساعات قليلة رغم محاولة تفادي الكاميرا.
الانتشار السريع للّقطة لم يكن نتيجة تصوير جماهيري فقط، بل اعتمد بشكل أساسي على أدوات الرؤية الحاسوبية (Computer Vision) وتقنيات مطابقة الوجوه (Face Matching) التي أتاحت للجمهور، ولأطراف خارجية، تتبع ملامح الوجه وتحليلها ومقارنتها بمصادر علنية على الإنترنت مثل ملفات LinkedIn وصور المناسبات العامة.
تُظهر هذه الحادثة مدى التطور غير المسبوق في أدوات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت متاحة للعامة، وتمكّن أي شخص من استخدام مصادر مفتوحة (OSINT) لتحديد الهوية في وقت قياسي.
ما كان يتطلب أدوات استخباراتية قبل سنوات بات متاحًا اليوم لأي هاتف ذكي مزوّد بكاميرا وإنترنت.
وفقًا لمراقبين في مجال الأمن الرقمي، فإن اللقطة لم تكن لتُحدث كل هذا التأثير لولا سهولة تحليل الفيديو بصريًا ومقارنة الوجوه آليًا مع قواعد بيانات مفتوحة، ما أدى لاحقًا إلى تأكيد شركة «Astronomer» أن الشخصين الظاهرين هما المدير التنفيذي ومسؤولة شؤون الأفراد، وهو ما دفع بالشركة لإصدار بيان أعلن استقالة المدير التنفيذي.
وتعد هذه الواقعة نموذجًا عمليًا لما يمكن أن تقوم به تقنيات الذكاء الاصطناعي حينما تُستخدم خارج السياقات الرسمية أو المؤسسية، لا سيما مع غياب أي إطار قانوني واضح يقيّد استخدام تقنيات Face Recognition في المجال العام.
كما تثير الحادثة مخاوف أخلاقية متصاعدة حول إمكانية استغلال هذه الأدوات في التتبع أو التشهير أو التمييز.
خبراء التقنية يؤكدون أن ما حدث لا يتعلق بمجرد تسريب فيديو، بل هو انعكاس لحقيقة رقمية جديدة: أي لقطة، مهما كانت عشوائية، يمكن أن تُحلّل بصريًا وتتحوّل إلى أداة لتعقّب الأفراد أو كشف علاقات شخصية أو مهنية، سواء برغبتهم أو دون علمهم.
وفي غياب تشريعات تُنظّم هذا المجال، يتوقّع أن تزداد حالات الكشف غير المقصود للهوية في الأماكن العامة، مع تصاعد دقة أدوات الذكاء الاصطناعي، واتساع رقعة البيانات المتاحة على الإنترنت.